السينما في عـدن

أدخلت دور العرض "السينما" في عدن في بدايتها الأولى في الخمسينيات القرن الماضي والتي كانت تعد هي الأولى في منطقة الجزيرة والخليج، إذ شوهد في بداية دخولها بعرض بسيط لأفلام صامتة "بلا صوت" لشارلي شابلن، ونصبت شاشتها على خشبة بمنطقة "القطيع" كريتر. 


وكان مستر حمود هو السباق في تأسيس مجموعة من دور العرض في مناطق عدة من عدن منها "هريكن" بكريتر، و"الجديدة" بالتواهي، وراديو بـ "المعلا" و "الشرقية " بالشيخ عثمان، ولآخرين منهم مستر حق سينما "شهيناز" بخورمكسر، وجعفر مرزا "بلقيس"، و"برافين" للبينيان، و"الأهلية" لخدا بخش بكريتر، و"الشعبية" لعبده عبدالقادر بالشيخ عثمان، وهناك سينماتي "البريقة" و "دار سعد".

وعن تاريخ السينما في عدن يتذكر الكاتب فاروق لقمان، في مقال كتبه عن: "سينما المرسابة صالح حاجب" في صحيفة "الأيام" العدد (5247) في 14/11/2007م قائلا:(هناك دار السينما في الميدان كان يمتلكها عبدالعزيز خان اخو يوسف خان وعبدالكريم خان، وهم من بيت عدني عريق، وكانت تلك السينما في المقهاية التابعة للسيد حسن أغبري، اليوم مقابل مع مقهاية زكو، يملكها زكريا محمد الياس ويملك مثلها في التواهي أخوه عيسى محمد الياس، وكانت السينما المذكورة "المرسابة" الثانية في كريتر عدن، إذ كانت سينما أخرى يملكها السيد محمد محمود في المرسابة.

وعرفت عدن السينما منذ بداية عهد الأفلام الصامتة بعدها بنيت دور العرض لكن عند ظهورها لم يتمكن الناس المعدمين من دخول صالات العروض السينمائية، فبادر المجلس البلدي على إقامة عروض سينمائية متجولة بواسطة سيارة متنقلة تجوب الأحياء الشعبية لتعرض من خلاله الأفلام الصامتة الانكليزية وتقدم أيضا مقتطفات لرواد الفضاء، وكانت تقف السينما المتنقلة لتعرض على احد جدران المنازل أمام ترحيب الأهالي  بهذه البادرة.

وحديثنا عن تفاصيل السينما أيام زمان وكيف كنا نتذكر عبق أجواءها وهي تدار، فجميع دور العرض "السينمات" في عدن كانت غير مسقوفة عدا سينما واحدة "بلقيس". ولكل من السينمات على واجهتها الأمامية حائط خشبي بعض منها مغطاة بزجاج فيه الفيلم الذي سيعرض في يومه ويكتب عليه (فيلم اليوم، أو هذه الليلة، أو يعرض حاليا) كما تخصص جهة أخرى من الواجهة نفسها لفيلم الأسبوع القادم وأخر الذي يليه" قريبا" بقصد جذب الناس وإغرائهم على المشاهدة. 


وعند المدخل الرئيسي نجد مكتب مقسم لقاطعي التذاكر فيه حاجز حديدي أمام الشباك يقفون الناس طوابير في صف واحد منعاً لتدافعهم إليه، والتي يسميه الجمهور صاحب (التكت- التذكرة). وبجانب غرفة قطع التذاكر مكتب تابع لإدارة السينما.

وجميع صالات العرض بعدن مقاعدها مقسمة بين دور أو دورين فوق الأرضي يسمونها بـ "الشرفة – البلكونة" ومقاعدها مصنوعة من الخشب منصوبة على دكة تميل للنزول وترتفع من الخلف حتى يتيسر للمشاهد رؤية الشاشة بوضوح. 


وتتوزع مقاعدها على حسب ممراتها منها ممرين أو ثلاث ممرات، وعادةً وضعية مقاعدها مثبتة على الأرض ومرصوصة بصف واحد. وشاشتها كما هو متعارف عليه مبنية من مادة "الجص"، محاطة بشريط مطلي باللون الأسود، وكما يرويها الكبار كانت بدايتها الأولى في فترة الخمسينيات مربعة الشكل ومقوسة بالزوايا، وسماعات شاشتها توضع على جانبيها ويؤكد من عاصروها بأنها كانت بدائية ومشوشة الصوت دون وضوح ثم بعد ذلك أصبحت الشاشة مستطيلة وسماعاتها عالية وجهيرة الصوت.


ويجلس عامل أمام بوابة التوصيلة إلى صالة العرض يعرف بـ "قاطع التذاكر" الذي يفحص التذكرة ويمزقها وأحياناً يعطي للمشاهد أثناء دخوله جزء منها ليعاود الدخول بها بعد الاستراحة.


كان لكل سينما جرس يرن مرتين الأولى إيذاناً ببدء العرض والثانية بعد الاستراحة، وكثيرا ما نشاهد في جميع السينمات إنارتها ضعيفة وتعتمد كثيرا على إنارة خارجية تنبعث من الغرف القريبة منها. وتوجد على أبوابها الفرعية بداخلها أو على جدرانها لوحة زجاجية صغيرة مضاءة بلون أحمر مكتوب عليها (خروج – EXIT) يبين خط دليل السير لأي شخص من الداخل يريد الخروج أثناء عرض الفيلم أو حتى ذهابه إلى الحمامات "التواليت" القريب من أحد أركان صالة العرض أحداها للرجال والأخرى كانت للنساء. 

توقيتات عروض الفيلم كانت ثابتة وفي وقت واحد، تكتب بلوحة تؤكد ذلك، ولم يكن هناك دار عرض بعد الظهر إلا في سينما "بلقيس" فيه ثلاث فترات. ويبدأ العرض في مواعيده المحددة مهما كان عدد المشاهدين، وإذا امتلأت الصالة قبل بدء الفيلم يتم إشعار شباك التذاكر بوقف البيع، وأحيانا يكتظ الناس أمام شباك التذاكر عند عرض فيلم عالمي جديد تزدحم الصالة ومنهم من كان يجلس على الأرض. 

يبدأ عرض الفيلم بعد أن يرن الجرس معلنا ابتداء العرض، وبعد إطفاء الإضاءة، أحياناً تحصل تحركات بسيطة من قبل عامل مرشد بيده مصباح يدوي "ترشليت" مهامه يسهل المرتادين المتأخرين ليرشدهم بهدوء إلى المقاعد الفارغة، كما هناك شخص أخر في كل سينما مكلف بضبط مكان الصالة وبيده عصا تحسبا لأي فوضى قد تحدث.

وتعرض مقتطفات قبل بدء الفيلم لإخبار العالم أو كما تعرف بـ "الجريدة المصورة" من مصر منها أخبار القومية العربية لعبد الناصر والسد العالي، وكذا دعايات لأشهر المحلات التجارية بعدن وفي السبعينيات كانت تعرض مقتطفات عن لينين والأممية الاشتراكية كما كانت تعرض دعايات ولقطات رياضية لمحمد علي كلاي، وأحيانا للقطات من أفلام الكرتون لـ "ناقر الخشب".


ونتذكر قبل بدء الفيلم تجوّل الباعة التابعين للكافتيريا " المشرب" وآخرين يحملون معهم "الحنظل – الزعقة" واللوز، الساكت والعلك "الشنجم"، ويزداد تجوالهم خلال الاستراحة، ويمنع تحركهم أثناء عرض الفيلم، وفترة الاستراحة عادة تستمر قرابة عشر دقائق ولا تزيد عن ربع ساعة، وخلال الاستراحة تقوم إدارة السينما بتشغيل أغاني عربية منها لفريد الأطرش أو أغان عدنية شهيرة. وهناك باعة بجوار السينما القريب من الرصيف أو ما يعرف بملتقى الاستراحة على الشارع يبيعون أصناف من المشروبات الغازية مثل السينالكو والكوكا والفانتا والستيم والليم البارد، إضافة إلى سندوتشات البيض، و البازيليا "العتر".

فكثير من أبناء عدن وزائريها كانوا يتوجهون إلى السينما وهم فرحين وسعداء ويعتبرونها مركزهم الترفيهي، ويؤولون اهتمامهم عند ذهابهم ويتواعدون للالتقاء بأصدقائهم وزملائهم، وكثيرون من يفكر في تدبير قيمة تذكرته وأجرة مواصلاته، وبعضهم كان يسير على الأقدام متجها نحو السينما.


الأزواج والأسر عامة كانوا يفضلون دخول السينما في أيام الإجازات لمعرفتهم بتغيير الأفلام، تفضل الجلوس في الطابق العلوي المخصص لهم. ويجدون متعتهم  بالأفلام العربية لاسيما أفلام فريد الأطرش، ولاقت أفلام فريد الأطرش وعبدالحليم شهرتها عند الكثيرين، وكان لكل منهما أنصاره.

كانت الأفلام تعرض في وقت متزامن  مع عروضها الأولى بمصر وفي أوج رواجها وشهرتها، ثم دخلت بعد ذلك الأفلام الهندية ويليها الأجنبية، وجميعها تعرض في بدايتها الأولى باللون الأسود والأبيض  وكانت إدارة السينما تسمح بدخول الأطفال مع ذويهم للفترة الأولى ويمنعون اصطحابهم نهائيا في الفترة الثانية "الشوط الثاني". 

وقيمة التذاكر المعروفة بـ"التكت" تتغير مع مرور السنوات ونوع السينما، في الستينيات كانت سينماتي بلقيس، وشهيناز "ريجل" متقدمة في أسعار تذاكرها (2,5 أثنين شلن وخمسة آنة) والشرفة المعروف بـ "البلكونة" ( 5,2 خمسة شلن وآنتين) وأما بقية دور العرض كانت أسعارها في مقاعدها الأمامية (1,2 شلن وآنتين)، وفي الوسط ( 1,6 شلن وستة آنة) والبلكونة بنوعيه الصغير والمصندق الخاص بالنساء والعائلات والأعلى المكشوف بـ (2,5 اثنين شلن وخمسة آنات)، وفي فترة السبعينيات والثمانينيات ارتفعت تقريبا بفارق بسيط.
  
بعد منتصف  الثمانينيات سمحت معظم دور العرض بدخول صغار السن وحينه دخلت الفوضى ومعها تضاءلت وانحسرت كثير من الأسر من حضورها إلى السينما خاصة بعد أحداث 1986م.


كان بعض الصغار يدخلون السينما دون دراية أهاليهم ولكن بعد أن كبروا قليلا أصبحوا يدخلون السينما بعلمهم ويأخذون ثمن تذاكرها منهم. وكان يلزم من يجلس على مقعده أن لا يحرك رأسه أو يرفعه أثناء مشاهدته الفيلم وإن رفع أحدهم رأسه يعلق من خلفه عليه بقوله "يا أخي أنزل رأسك) أو يمازحه: (يا أخي رأسك كبير نزله).


وعادةً كنا نرى معظم الجالسين في المقاعد الأمامية من المراهقين والصغار، ومنهم ما قيل عنهم أنهم يعتقدون بقربهم من الشاشة يساعدهم لاختلاس النظر بوضوح أثناء عرض المشاهد المثيرة. وكان بعض ممن ينتظر للقطة شهيرة لمشاهدته إلا أنهم يفاجئوا بحذفه من قبل إدارة السينما بتعليمات من الرقابة، وبسببه تتعالى الأصوات بالصراخ بـ "الصياح والصفافير" مرددين بأعلى صوتهم: (هاتوا فلوسنا.. الفيلم رمة). 


وكنا نرى قلة من يسيئوا التصرف عند تناولهم "الحنظل- الزعقة" بترك قشرها مرمية تحت أقدامهم، وكان من في الطابق العلوي "البلكونة" من يقوم برمي "الحنظل – الزعقة" وأحيانا يبصق وأخرون يبصقون بـ "التمبل" على رؤوس المشاهدين تحصل خلاله مشاجرات لكن سرعان يتدخل آخرين بينهما لـ"المفارعة".


كانت معظم دور السينما تعرض أفلامها على فترات دورية، بتجديد أفلامها مرة في الأسبوع قبيل نهايته، معتمدين على كثرة مرتاديها خصوصا الأفلام العربية والهندية التي كانت تلقى رواجا كبيرا. وكانت الأفلام الجديدة تعرض لمدة أسبوع ثم تعاود عرضها من جديد، وأحيانا كانت تعرض مرات أفلاماً هابطة أو غير مترجمة لأنها تكون أحيانا أفلاما هندية أو ايطالية او فرنسية او ألمانية لكنها ليست مترجمة عربياً وإنما مترجمة بالانكليزية فقط. 

وكنا نستمع من شاهد قصة الفيلم من قبل احد الأصدقاء أو الجيران قبل أن ندخله ليحدثنا وقائعه، وهناك من شاهدوه مرات عدة حتى حفظوه.
                                       
والسينما عرفت في عدن أثناء ازدهارها منذ الخمسينيات من القرن الماضي بأنها كانت السباقة من بين دول الخليج والجزيرة العربية، وقد وصل عدد دور العرض فيها ثمان صالات، وهذا ما يؤكده الكاتب نجيب اليابلي، في تعليقه على ذلك بقوله ) :حين كان الظلام دامساً في الجزيرة والخليج العربي بينما السينما وزمان عدن كانت منارة لبنية ثقافية التي أضاءت الجزيرة العربية والخليج).

ونستعرض معاً دور العرض في عدن، فكانت سينما "هريكن" التي تعني بالعربية "الإعصار" وهي لأسم طائرة حربية بريطانية، وعرفت بعد خروج الانجليز بـسينما "الحرية" لكن بقي يداولونها الناس على أسمها الأول، وهي تقع بجانب عمارة الدرويش في طريق المودي إلى الخساف. ويتذكر مرتاديها عروضها لأفلام فريد شوقي والتي كانت تباع تذاكرها في السوق السوداء في وقت كان تألق نشاط مالكها مستر حمود حين أبرم عقد مع الفنان فريد شوقي على أن تعرض أفلامه في إحدى سينماته التابعة له "هريكن" بموجب اتفاق نشرته حينذاك الصحف. بينما أحتكر خدا بخش مالك سينما الأهلية بكريتر المسماة عند الجميع بـ "البادري" أفلام فريد الأطرش بموجب عقد ابرم معه، والذي زار عدن وأقام حفلات بناءً على دعوة مشمولة من مالك السينما في 1957م.

تميزت سينما شهيناز بعرض أفلام غربية فقط، وكان معظم مرتاديه من الأجانب والضباط والرعايا الانجليز والطبقات المختلفة منهم العرب، يتميز جميعهم بتأنقهم بارتداء "النك تاي - ربطة العنق"، وكانت تحجز مقاعدهم مسبقا، يبدأ العرض أولا بالسلام الملكي لصورة الملكة اليزابيت ليقفوا جميعهم لإلقاء التحية. وتفرض إدارة السينما على الباعة بالالتزام بالنظام وكذا بنوعية تقديم الوجبات، وبالقرب من مبناها كانت توجد كرفانات محملة على عربات نقل تقف بجوارها لتبيع الوجبات الخفيفة مثل السندوتشات والشبس والفشار "الساكت"والمرطبات. بعد خروج الانجليز ومصادرتها من قبل الدولة أطلق عليها اسم "26 سبتمبر" ومن ثم "سبا" لكنها ظلت تسمى على أسمها الذي كان يعتزم صاحبها بتسميتها باسم "ريجل" لوجود سينما بهذا الاسم في الهند قبل أن يحولها بعد ذلك إلى "شهيناز"، لكن ظل اسم "ريجل" متداول عند الجميع وحتى الآن.

 وسينما ريجل يقاربها مبنى كازينو ليلي عرف بـ "شاليمار" يتبع لابنة مستر حق، صاحب السينما، وتحول في السبعينيات إلى مكان تقام فيه الأعراس ومرقص "ديسكو" كان متعهدها سعيد خليفي، أحد أبناء عدن من الذين كانوا في المهجر الاندونيسي، وسمى المكان بـ "سكارنو" على أسم رئيس اندونيسيا، والمبنى الأمامي منه كان محلا للألعاب "الاتاري والجيم" يديره عراقي الجنسية كان يقدم خدمات لمرتادي السينما ببيع الشوارما والمشروبات الغازية ثم توقف بالكامل في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بينما ظل المرقص الملاصق له يعمل حتى مطلع التسعينيات. 

أما سينما "بلقيس" الواقعة في حقات والقريبة من الساحل، لصاحبه جعفر ميرزا، المكونة من ثلاثة أدوار، كانت لها فخامتها آنذاك والوحيدة من بين دور العرض في عدن التي مقاعدها مرقمة وفيها تكييف هوائي مركزي التي تعمل بواسطة مضخات تسحب من ماء البحر لتدفع الهواء البارد عرفت في الخمسينيات بـ (Child Water plant).وتمتعها بقربها من البحر فكانت كثير من الأسر عند مغادرتهم مسبح حقات يتوجهون إليها مباشرة كإحدى طقوسهم للاستمتاع بيومهم .

ولدى عشاق الأفلام الهندية سينما تسمى بـ"برافين" وهي قريبة من سينما "الأهلية" ومقابلة لبلدية كريتر، كانت تعرف عند العامة بسينما "البنيان" لشهرتها بعرض الأفلام الهندية.

وسينما "راديو" سميت نظرا لتصميم مقدمة مبناها على شكل مذياع، وهي إحدى سينمات التابعة لمستر حمود يميزها عن بقية السينمات بأن مساحتها كبيرة ومقاعدها كثيرة، والتي تعتبر الأكبر من بين دور العرض في عدن، تقع بالقرب من الملعب الرياضي الشهير وسوق ناصر للخضار بشارع السواعي في المعلا. 

ويتذكر الجميع ممن شاهدوا واستمتعوا بالأفلام التي عرضت آنذاك  في ذلك الزمن وحدثنا الكاتب نجيب اليابلي عندما وثق أسماء الأفلام  التي كانت ولا زالت مسكونة في ذاكرة الناس منها من الأفلام الهندية: ( شانجام- وقت- اويكار "الأرض"- م كمال- غيروا من هذا المجتمع) ومن الأفلام الانكليزية ( الطيب السيئ القبيح- الهروب الكبير- أعمدة الحكمة- صوت الموسيقى- الجسر على النهر "كواي"- وقصة مدينتي) ومن الأفلام العربية: ( عنتر عبلة- عنتر يغزو الصحراء- أمير الانتقام- رصيف نمرة خمسة-  لحن الخلود- في بيتنا رجل- الوسادة الخالية- واسلاماه- خالد بن الوليد- جميلة بوحيرد- الخطايا- ومعبودة الجماهير- والشموع السوداء- والورود البيضاء- حبي في القاهرة للفنان الموسيقار أحمد قاسم مع زيزي البدراوي وتوفيق الدقن والذي كان أول فيلم لعدن على مستوى الجزيرة والخليج صوّر بالقاهرة). 

واقترن ارتياد السينما لدى الناس برائحة ماضي وجدوا متعتهم فيه ويحنون إليه، ويشير الكثيرين من المرتادين للسينما في أيام زمان استمتاعهم بدخولها ومشاهدتهم للأفلام، حدثنا عن ذلك الحاج محمود العقربي، أحد مرتادي منتدى صحيفة "الأيام" عن بدايات دخوله للسينما قائلا: (السينما كانت بالنسبة لنا في ذلك الوقت "فكر ثقافي" وحملت الكثير من ذكرياتنا. كانت بدايتنا الأولى عند مشاهدتها تحديدا في الخمسينيات بأفلام بدائية متحركة صامتة، ولم تكن هناك سينما في الشيخ عثمان وحتى نوصل إليها برفقة اخواني كنا نركب سيارات لوري حمول كانت تنطلق بنا من الشيخ عثمان ونمر على خورمكسر عن طريق رصدة المطار قبل بناءه ثم إلى جبل حديد ومن ثم إلى العقبة حتى نصل إلى السينما الأهلية بكريتر. كانت تختلف أسعار دخولها بين مختلف دور العرض في جميع مناطق عدن حسب مكان الجلوس، إلى جانب سينماتي بلقيس وريجل "شهيناز" تتميزا بنوعية عروضهما وأسعار تذاكرها لأن بلقيس كانت تشكل فخامة من حيث مقاعدها وتكييفها المركزي، والناس قبل ذهابهم للسينما يرتادون اللباس الأنيق).


ولا يذهب بعيدا الحاج عبدالعزيز عبداللطيف، عن ما كان يتذكره الناس عند ذهابهم إلى السينما، في أنهم كانوا يؤولون اهتمامهم بمشاهدة الأفلام كجزء من ثقافتهم، بقوله: (أنه ومنذ بداية شبابه يتذكر على أيامه كيف كانت عدن مزدهرة، وكانت السينما تشكل واجهة عدن الحضارية، ومحطة لأغلب الأسر التي كانت تتابع الأفلام وتجدها متعة ومتنفس وجزء من الثقافة، وكانوا يتعاملون برقي عند دخولهم ومشاهدتهم للأفلام . وتكثر الأسر دخولها أيام الخميس والعطل ليجتذبوا مشاهدة كل جديد في ذلك الوقت، والأفلام التي كانت تعرض معظمها هندية وعربية لفريد الأطرش ثم دخلت بعدها الأفلام الأجنبية منها الكابوي والكاراتيه، ومن الأفلام التي يتذكره الجميع كان أكثر شهرة الفيلم العربي  "خلي بالك من زوزو" والفيلم الهندي "ولدي". وهناك أفلام أخرى أتذكرها عرضت بطابع رومانسي والآخر كوميدي، وفئة الشباب كانوا يفضلون أفلام الحركة "الاكشن" والرعب). 


وبحديث يغلب الألم والحسرة بذكرياته عن السينما يقول خالد خليفي، أحد رواد منتدى صحيفة "الأيام" بعدن : ( لم تكن هناك أيام لشبابنا احلى من أيام دخولنا للسينما، حيث كنا نستعد ونرتص طوابير لدخولها، كان مشاهدتنا للأفلام في عدن شيئا فيه المتعة والترفيه مثل سائر البلدان المتحضرة، يبدو لي الآن الوقت تغير بعد أن اختفى كل هذا، فالأمر مؤسف عندما نسافر إلى بلاد في العالم وبمجرد وصولنا تقود ذكرياتنا أقدامنا إلى السينما لأننا افتقدناها).

وعن بعض الطرائف التي حدثت يروي الشخصية الرياضية أحمد محسن، في أحدى دور العرض بعدن في أواخر الخمسينيات جاء على لسانه أن أحد الوافدين من أبناء البيضاء إلى عدن برفقته وكان أول مرة يدخل فيها إلى السينما، وفور دخولهما إلى صالة العرض بادر القبيلي بإلقاء السلام بصوت مرتفع على الحضور وكان ينوي مصافحتهم فرداً فرداً  حتى أوقفه مرافقه معللا إقناعه بأن تواجدهما في سينما وليس في مكان أخر. وأثناء متابعتهما مشاهد حروب ساخنة ارتفعت حينها دوي طلقات النيران والمدافع، بدوره انتفض القبيلي صارخا بشدة لمن كان معه " الجماعة يبوني" بمعنى يريدوني، وصاح مستغيثا "أنا هنا ما عندي سلاح.... وأبوي". وعن متعة دور العرض يتذكر الأستاذ أحمد محسن كيف كانت أيام زمان ومتعة الإقبال على السينما حيث أن كثير من الأندية الرياضية في عدن عند إحرازها لفوز يتوجهون إلى السينما كتقليد متبع لبث الفرحة بين صفوفهما واحتفالا بالفوز.

هكذا كانت السينما أيام زمان أعظم وسيلة تثقيف ومتعة، ولا نطول في فهم ما جرى لها من وراء انحسارها ومن ثم توقفها بالكامل والتي كان سببه التغيير السياسي والاجتماعي التي أفرزته نتائج حرب الشمال على الجنوب في 1994م، عندما عمد الشمال فرض انتصاره بأخذ مخصصاتها وأجهزتها وأفلامها الوثائقية حتى جردها بهدف طمس تاريخها بالكامل، وأعيدت مبانيها إلى ملاكها بعد تأميمها في بداية السبعينيات، ولكنهم كما يقول ملاكها لم يستطيعوا من إعادة روحها بسبب افتقارهم لمصادر التمويل إلى جانب التطور الذي حدث بدخول الستلايت والأجهزة الرقمية، فاضطر بعضهم أن يستثمروا قاعاتها كمسرح وبعضها تحول إلى محلات وقاعات أفراح، ومنها ما ظل مهجور ومتهالك.


مصادري:
المعلومات التي استقيتها مأخوذة شفهيا من أناس ارتادوا دخول السينما في بداياتها الأولى، ولا يفوتني أن أقدم عظيم الشكر والتقدير لرواد منتدى صحيفة "الأيام" بعدن لتعاونهم معي وسردهم الكثير من المعلومات عن زمان السينما في عدن. كما أقدم شكري للأخ وديع أمان، مؤرخ الصور الفوتوغرافية الذي أهداني صور قديمة لدور العرض في عدن.

مصدر النشر :
  • صحيفة الأيام
  • صحيفة عـدن الغد
  • +967 (737) 799 438
  • info@adenfilmfest.com

©2024 adenfilmfest.com